الحسن الثاني، ملك المغرب

 الحسن الثاني، ملك المغرب

الحسن الثاني، ملك المغرب
الحسن الثاني، ملك المغرب

🟨 الفصل الأول: في حضن الملك

في صباح ربيعي من عام 1929، اهتزت جنبات القصر الملكي في الرباط على وقع بشرى عظيمة:
وُلد ولي العهد. أطلقوا عليه اسم الحسن بن محمد، على اسم جده الراحل، وكأن الاسم وحده كان إشارة لقدَرٍ عظيم قادم.

لم يكن هذا الطفل العادي، فقد نشأ في حضن أبيه الملك محمد الخامس، الذي لم يتعامل معه كطفل مدلّل، بل كملك صغير في طور التكوين.
منذ نعومة أظافره، جلس الحسن إلى جوار رجال الدولة، سمع النقاشات السياسية، وراقب القرارات الكبرى تُتّخذ أمامه.
لم يكن يلهو كثيرًا، بل كان يستمع، يدوّن، يسأل، ويتأمل.

في الليل، حين ينام الجميع، كان يتسلل إلى مكتبة القصر، يتأمل رفوف الكتب العالية، ويُطيل النظر في خرائط المغرب القديمة.
شعر مبكرًا بأن اسمه سيُكتب على هذه الخرائط، وأنه لن يكون مجرد شاهِد على التاريخ… بل صانعه.

وذات مساء، بعد لقاء رسمي، أخذ الملك محمد الخامس بيد ابنه الحسن، وجلس معه في شرفة القصر قائلاً له بهدوء: "يا بني، يوماً ما ستجلس على هذا العرش. لكنه لن يكون تاجاً من ذهب، بل عباءة من نار. ستحمل الأمانة… وستُسأل عنها أمام الله، ثم التاريخ، ثم شعبك."

كانت تلك الكلمات ترسًا زرع في قلب الحسن يقظةً دائمة. ومنذ تلك الليلة، لم يغمض له جفن على راحة تامة.


🟨 الفصل الثاني: التتويج وسط العواصف

مرّت الأعوام، وكبر الحسن، والتحق بالجامعة، ثم تلقى تعليماً صارمًا في القانون والعلوم السياسية.
لكن الحدث الأبرز وقع في مارس 1961، حين أعلن البلاط الملكي نبأ وفاة الملك محمد الخامس.
غمر الحزن المغرب، وارتفعت أصوات البكاء من المساجد إلى الجبال.
أما الحسن، فلم يكن له وقت للحزن الطويل…
فقد استدعاه القدر، وسُلّم إليه التاج وهو لم يُكمل عامه الثاني والثلاثين.

لكنه لم يرث مملكة مستقرة، بل دولة حديثة العهد بالاستقلال، تعاني من جراح الاستعمار، وصراعات سياسية، وتفاوت اجتماعي حاد، ونُخب تتنازع على مفاصل السلطة.
كل ذلك كان أمام شاب صاعد، عليه أن يُثبت أنه ليس فقط "ابن الملك"، بل الملك الحقيقي.

في خطابه الأول، لم يقرأ من ورقة، بل نظر في عيون المغاربة من شاشة التلفاز وقال: "سأقود سفينة المغرب، وأعرف أن الأمواج عاتية، لكنّي أثق بكم، وأثق بالله."

ثم بدأ في إصلاحات اقتصادية وتعليمية، أطلق مشروع "المغرب الأخضر"، شجع على التمدرس، دعم الفلاحين، وبنى سدودًا في أماكن لم تصلها الكهرباء بعد.
لكن الصراع لم يكن خارجيًا فقط، بل داخل النظام نفسه… وهنا تبدأ لحظات الاضطراب.


🟨 الفصل الثالث: ملك الحيلة والدهاء

في صيف عام 1971، وبينما كان الحسن يحتفل بعيد ميلاده الـ42 بقصر الصخيرات، تحوّل الحفل إلى كابوس دموي.
اقتحم مئات الجنود القصر بأوامر من ضباط متمرّدين.
بدأ الرصاص يُطلق في كل مكان، وسقط العشرات من المدعوين، وكان الهدف واحدًا: قتل الملك.

لكن الحسن لم يختبئ. بل واجه الموت بوجه مكشوف.
اقترب أحد الضباط منه، والسلاح مصوب نحو صدره، فسأله الملك بهدوء: "هل تعرف من أنا؟"

قال المرتجف: "أنت الحسن الثاني."
قال: "إذن اقتلني، وكن شاهداً أن ملك المغرب مات واقفاً."

لكن الرصاصة لم تُطلق…
بل سقط السلاح من يد الرجل، وانهار باكياً.

نجا الملك بأعجوبة، واعتقل الانقلابيون.

وبعد عام واحد فقط، في 1972، تكرر المشهد، لكن هذه المرة وهو في طائرته الخاصة.
حاصرت الطائرات الحربية الطائرة الملكية في الجو، وأطلقوا النار عليها، واخترقتها الرصاصات.
أُصيب أحد الطيارين، وسادت الفوضى داخل الطائرة.

أمسك الحسن بالمذياع وقال: "هنا ملك المغرب… كفّوا عن الجنون، فلن تهزموا الوطن."

وفي لحظة شجاعة نادرة، نزل بطائرته سالمة، وتكرر فشل الانقلاب.

عندها قال عنه أحد الصحفيين الفرنسيين: "الحسن الثاني لا يحكم المغرب فقط… بل يحكم القدر أيضاً."


🟨 الفصل الرابع: المسيرة الخضراء – حين مشت الأمة بأمر ملك

بحلول عام 1975، كانت قضية الصحراء المغربية محور صراع سياسي.
إسبانيا لا تزال تحتل الصحراء، والمغرب يطالب بحقّه التاريخي.

لكن الحسن لم يُرد الحرب.
أراد نصرًا نظيفًا، له طابع روحي وإنساني… فنادى الشعب في خطاب أسطوري قائلاً: "غدًا، ستنطلقون في مسيرة خضراء، لا سلاح فيها إلا الإيمان، والمصحف، والعلم المغربي."

وفي مشهد لم يعرف له التاريخ مثيلاً، خرج 350 ألف مغربي ومغربية من جميع أنحاء الوطن.
ساروا على الأقدام نحو الصحراء الكبرى، في هدوء، وفي انضباط.
كانوا يهتفون باسم الله، ويغنون للوطن، ويكتبون على الرمال شعارات الحب والسلام.

انسحبت إسبانيا أمام هذا الزخم الشعبي، وعاد الجنوب المغربي لحضن الوطن.

كانت تلك المسيرة ملحمة سيادة يقودها ملكٌ يعرف كيف يُحرك أمة بكلمة واحدة.


🟨 الفصل الخامس: ظلّ الملك

عاش الحسن الثاني أربعين سنة في الحكم، بين المعارك والهدوء، بين الأخطاء والانتصارات، لكنه لم يتوقف عن التفكير في الوطن لحظة.

كان رجل دولة بكل المقاييس: يقرأ الصحف العالمية قبل النوم، يحلل خريطة الاقتصاد العالمي، يلتقي بالشخصيات العالمية ويواجههم بندية ودهاء.
لم يكن سهلاً، بل معقدًا، عميقًا، يتقن اللعبة السياسية كما يتقن الشطرنج.

حاور المعارضة، وفتح باب الديمقراطية تدريجيًا، وأطلق مشاريع إصلاحية في التسعينيات.
لكنه لم يفرّط في وحدة الدولة، ولا في هيبة الملكية.

وحين سُئل مرة عن علاقته بالسياسة قال: "السياسة في المغرب مثل رقعة الشطرنج… لا يوجد فيها أبيض وأسود فقط، بل مساحات رمادية كثيرة، ولكل حركة ثمنها."


🟨 الفصل السادس: الرحيل الملكي

في 23 يوليو 1999، عمّ الحزن البلاد مرة أخرى.
أُعلنت وفاة الملك الحسن الثاني، وسادت مشاعر الحزن في كل الأحياء والقرى والمدن.

مشى الملايين في جنازته، حضرها زعماء من العالم أجمع، وكانت جنازة تُليق برجل حكم بالحكمة والهيبة.
تسلّم بعده العرش ابنه الملك محمد السادس، الذي سار على خطى والده في الإصلاح، والانفتاح، والبناء.

لكن الحسن لم يرحل فعلاً…
فهو لا يزال في ملامح الصحراء، في عيون المسنين الذين ساروا معه في المسيرة الخضراء، في صفحات الكتب، وفي كل مرة يُذكر فيها المغرب في المحافل الدولية.


هل تود أن أُحوّل هذه القصة إلى رواية منشورة أو كتاب إلكتروني مصور؟ أو نكتب قصة مشابهة عن ملك آخر من ملوك المغرب؟

تعليقات