محمد
الخامس، ملك المغرب
 |
محمد الخامس، ملك المغرب |
🟨 الفصل الأول: الأمير الصامت
في قلب
القصر الملكي في فاس، وذات يوم من سنة 1909، وُلد طفل صغير لعائلة ملكية،
أطلقوا عليه اسم سيدي محمد بن يوسف.
لم يكن هو
الأبرز بين أبناء السلطان، لكنه كان الأكثر هدوءاً وتأملاً.
كان يحمل في
عينيه شيئًا مختلفًا… شيء يشبه البُعد، وكأنه يرى أبعد من السور الملكي، وأعمق من
أسرار البلاط.
كبر
محمد في كنف السلطان، وتلقى علوم الدين، اللغة، الفقه، والتاريخ المغربي العريق.
كان يطيل
الجلوس في الزوايا يتأمل، بينما أقرانه يلعبون في الباحات.
وفي الليل، كان
يتسلل إلى خزانة كتب والده، يقرأ عن عبد الكريم الخطابي، وعن مقاومة الريف،
ويشعر بأن شيئًا ما في داخله يتحرّك كلما قرأ عن الظلم والاستعمار.
كان
فتى لا يتكلم كثيرًا، لكنه حين يتكلم، تنصت الجدران.
وفي
عام 1927، جاءه الخبر الذي سيغير حياته إلى الأبد:
السلطان
يوسف قد توفي، والمستعمرون اختاروا حفيده محمد بن يوسف ليكون السلطان الجديد.
كان
عمره حينها 18 عامًا فقط.
🟨 الفصل الثاني: سلطان في قبضة
الاستعمار
لم يكن
السلطان محمد الخامس يملك سلطة حقيقية.
كان الاستعمار
الفرنسي هو من يُدير الدولة، يقرر القوانين، ويُقسم الأراضي، ويُملي على
البلاط كيف يتحرك.
وكان يُتوقّع
من السلطان أن يكون مجرد دمية أنيقة ترتدي الجلباب وتوقع الأوراق.
لكن
محمد الخامس لم يكن كذلك.
كان يراقب،
ويصمت، ويتعلم.
كان يعرف أن
المواجهة المباشرة مع فرنسا ستُسحق، لكنه بدأ في زرع بذور الثورة بصبر العالمين.
كان
يلتقي بالعلماء، يستقبل الوطنيين في السر، يُرسل إشارات للمقاومة بأنه معهم، دون
أن ينطق بها صراحة.
وذات
مساء، وبينما كان الجميع في القصر نائمين، كتب بخط يده رسالة سرّية، قال فيها: "لا أقبل أن أكون سلطانًا على جثث أبناء وطني. إذا
لم أستطع أن أحرر الأرض، فسأزرع في القلوب نارًا لن تنطفئ."
هكذا
بدأ السلطان الشاب حربًا صامتة ضد الغاصب.
🟨 الفصل الثالث: المنفى… والشرارة
في عام
1953، وبعد أن اشتد نضال المغاربة، وارتفعت أصوات المطالبين بالاستقلال، قررت
فرنسا أن تتخلّص من "المشكلة".
وفي
فجر مظلم، حاصرت قوات فرنسية القصر الملكي.
دخلوه كأنهم
يُغزون قلعة معادية.
وقفت الأميرة
لالة عائشة الصغيرة تبكي، بينما الجنود يُخرجون والدها قسرًا.
اقتادوا
السلطان محمد الخامس إلى المطار، ثم نُفي إلى كورسيكا، ثم إلى مدغشقر،
بعيدًا عن وطنه، عن أولاده، عن شعبه.
لكن
النفي لم يُسكت المغرب… بل فجّر الثورة.
تحوّل السلطان
الغائب إلى رمز مقدس.
بدأت المقاومات
المسلحة، تمردت القبائل، وأُحرقت مراكز الشرطة، وكان الجميع يرددون في الشوارع: "ملكنا واحد… محمد بن يوسف."
وكان
المنفى بالنسبة للملك لحظة اختبار إيمانه، لكنه كتب في يومياته: "قد يستطيعون اقتلاعي من الأرض، لكنهم لن يستطيعوا
اقتلاع الوطن من روحي."
🟨 الفصل الرابع: العودة الأسطورية
في عام
1955، وبعد عامين من الثورة، فشلت فرنسا في فرض سلطان بديل، وانهارت خططها.
فالشعب المغربي
لم يعترف بأي سلطان آخر غير محمد الخامس.
أُجبرت
فرنسا على التفاوض، وبدأت ترتيبات عودة السلطان المنفي.
وفي
يوم مشمس من نوفمبر 1955، نزلت الطائرة الملكية في مطار الرباط، وخرج منها الملك
الحقيقي.
كان المشهد
أشبه بالحلم: الملايين من المغاربة خرجوا لاستقباله، رجال، نساء، أطفال… يبكون،
يصرخون، ويهتفون باسمه.
ركب
السلطان سيارة مكشوفة، يلوّح بيده، والدموع في عينيه.
لم يكن مشهد
عودة زعيم، بل عودة أب إلى حضن أبنائه.
وفي
خطبة تاريخية، قال: "عدنا من الجهاد الأصغر… لنبدأ الجهاد الأكبر:
بناء المغرب الجديد."
وهكذا
بدأ مشروع استقلال المغرب رسميًا.
🟨 الفصل الخامس: مؤسس المغرب الحديث
بعد
إعلان الاستقلال سنة 1956، لم تكن المهمة سهلة.
فالمغرب كان
كجسدٍ يخرج من غرفة العمليات: مثقل بالجراح، منقسم بالولاءات، يفتقر للبنية
والمؤسسات.
لكن
محمد الخامس لم يكن فقط سلطانًا… كان بنّاءً، وصاحب رؤية.
بدأ بإعادة
تنظيم الدولة، إنشاء الوزارات، كتابة الدستور، إطلاق التعليم، تأسيس العملة
الوطنية، وبناء الجيش المغربي الحديث.
وفي كل
ذلك، كان يُشرف بنفسه.
لم يختبئ خلف
الوزراء، بل كان يحضر الاجتماعات، يزور الورشات، يستمع للشعب، ويُربت على أكتاف
الفقراء.
كان
يُصر على أن يرى المغرب كما حلم به في منفاه:
بلدًا
قويًا، متماسكًا، متعلمًا، وحرًا.
🟨 الفصل السادس: رحيل الأب… وبداية عهد
جديد
في عام
1961، شعر محمد الخامس بألم في صدره.
ورغم تحذيرات
الأطباء، أصر على مواصلة العمل.
لكن الجسد
المُتعب لم يصمد.
وفي
إحدى ليالي فبراير، رحل محمد الخامس بهدوء.
لم تصدق الأمة
الخبر، وبكى المغرب كما لم يبكِ من قبل.
جنازته
كانت صامتة، مهيبة، مليئة بالدموع.
سار فيها كبار
العلماء، الفلاحون، المقاومون، واليتامى الذين كان يُكرمهم.
تسلّم
من بعده العرش ابنه الحسن الثاني، ليكمل المشوار.
لكن
روح محمد الخامس لا تزال في كل زاوية من زوايا الوطن.
في كل مدرسة،
في كل مسجد بُني في عهده، في كل صوت يُنادي باسم الوطن، هناك ظلّ محمد بن يوسف،
الرجل الذي قاد المغرب من عباءة السلطان إلى مجد الدولة الحرة.